لا حرية بدون أمن॥ ولا ديمقراطية للجائعين.. وإذا كانت (25 يناير) قد غيرت وجه مصر.. فإن حصاد ثمار المجريات لن يتأتي إلا حين يلوذ الشارع بالهدوء.. ويعود الاستقرار الحقيقي إلي البلد.. ويكون الحوار هو سبيل تلبية المطالب أيا كان من يطالب بها.. عموم الناس أو فئات منهم। ولا أمن بدون شرطة.. طال الوقت أو قصر.. لا توجد دولة يمكن أن تمضي في طريق التنظيم والديمقراطية بدون جهاز أمن داخلي فعال.. يطبق القانون.. ويتمتع بمواصفات العدالة والشفافية.. لا يكون عبئاً علي الناس.. ولا يخذل صاحب الحق.. ويكون أداة الدولة.. وقانونها.. وليس أداة مجموعة من الحريصين علي مواقعهم. ولا سياسة بدون اقتصاد.. ولا مجتمع يمكن أن يتطور بدون عمل.. كل شيء يحتاج إلي تمويل.. بدءاً من تنفيذ حلم الدكتور فاروق الباز في مشروع ممر التنمية.. إلي توظيف العاطلين.. وتعويض الخاسرين.. ولن يكون هذا متاحاً من خلال اقتصاد معطل.. أو ماكينات لا تعمل.. وشركات خائفة.. عمال يطالبون ولا يقومون بأداء مهامهم. لا الشرطة يمكن أن تعود بين يوم وليلة.. ولا الحكومة يمكنها أن تعيد دوران الاقتصاد في لحظة.. فقط علينا أن نعطي للداخلية فرصة كي تعيد البناء.. وتضع القواعد المنظورة من الجميع.. وأن نمنح الحكومة وقتاً كي تلملم شتات البعثرة والفوضي في جميع أركان البلد. والفرصتان لن تأتيا في مناخ الشك.. الذي لا أريد أن أصفه بأنه (مسموم).. وضامنة الفرص هي القوات المسلحة.. حيث يدير مجلسها الأعلي شئون البلاد.. بشرعية تلبية مطالب الناس.. وندائهم عليها من أجل أن تقود هي البلد.. وبتطبيق القانون. لكن القوات المسلحة تحمّل بأعباء مهولة علي مدار الساعة.. وتواجه ضغوطاً تعرقلها عن أن تقوم بمهمتها.. سواء كانت ضغوطاً من صنع الفوضي.. أو من نتائج المطالبات التي لا تنتهي.. والتي تريد أن تحدث في مصر تحولاً جوهرياً لإزالة آثار ماض عمره ثلاثون عاماً في ثلاثين ساعة. في نهاية الأسبوع الماضي، اندلعت الفوضي التي لا علاقة لها بمطالب (25يناير) في أحياء المعادي والعمرانية وحدائق القبة.. لسبب يتعلق بسلوك ضابط هنا أو هناك.. وكان علي القوات المسلحة أن تتدخل في خناقات ومشاجرات واعتصامات. واتسعت نطاقات التعدي علي الأراضي والبناء غير المشروع والاستيلاء من جهات مختلفة.. أفرادا ومجموعات علي مساحات ليست من حقها.. وكان مطلوباً أيضاً أن يتدخل الجيش كي يحمي هذه الأراضي التي ظن المسئولون عنها أنهم يمكن أن يفلتوا بها في غيبة القانون. وقرر مجموعة من متظاهري التحرير أن يعتصموا أمام مجلس الوزراء.. وأن يحتشدوا اعتراضاً علي الحكومة.. وتدخلت الشرطة العسكرية حين وجدت بين المتظاهرين السلميين عناصر وصفتهم بأنهم مندسون.. وبعد أن مارست بعض إجراءات القوة.. كان أن قالت إنها تعتذر.. وأنها لن تصدر أوامر من أي نوع بالتعامل مع التظاهر السلمي. كيف يمكن في هذا المناخ لأداة القوات المسلحة أن تفرق بين ما هو تعبير عن مطالب سلمية وما هو مرتبط بمصالح غير قانونية.. ليس لدي الجيش جهاز أمن داخلي.. يعرف ما يدور في الشوارع.. ومن هم المتظاهرون ومن هم البلطجية.. قرار فرض الأمن يحتاج إلي معلومات.. وحتي لو كانت لدي الجيش أجهزة استخبارات ومعلومات، فإنها لم يكن من مهمتها حتي قبل ثلاثة أسابيع أن تغوص بين الناس وتعرف ما يدور بينهم.. ونثقل عليها جداً حين نطالبها بأن تقوم بمهمة الشرطة.. هذا ليس عملها.. ولها عمل آخر له أهمية حيوية. لا نريد أن يكون التفاعل السياسي - حسن النية - نوعا من الاستنزاف السياسي والأمني للقوات المسلحة.. مهما بلغ حجمها.. ومهما كانت قدرتها.. ومهما كانت أدواتها.. فإنها ليست بديلاًً لكل شيء.. ليست بديلاً للشرطة.. وليست بديلاً للمحافظات.. وليست بديلاً للحكومة.. وليست بديلاً للأحياء.. وليست بديلاً للمؤسسات.. هي الآن سلطة تدير.. مؤتمنة علي البلد.. وقد وعدت برد الأمانة حين تنتهي مما كلفت به.. ومن الواجب أن نساعدها ونعينها وليس أن نعرقلها.. ونمارس الضغوط عليها. البلطجية الذين يحرقون ويدمرون ويسرقون ويقطعون الطريق.. ويمارسون شتي أنواع الإجرام استغلالاً للوضع الأمني المتدهور، لا يمكن أن نتوقع منهم قدراً من الوعي للاستجابة إلي كل هذا الذي نطالب به.. هؤلاء خارج المنطق وخارج القانون وخارج المصالح العامة.. لا علاقة لهم بالمطالبات السياسية ولا نداءات الإصلاح.. وربما يكونون قد اكتسبوا خبثاً أتاح لهم إمكانية أن يتيقنوا من القدرة علي استغلال السيولة السياسية كي يفلتوا بالمكاسب الحرام. ومن هنا حين نري هجوماً سياسياً من قبل بعض الاتجاهات، وضغوطاً تتهم القوات المسلحة بأنها رمز للدولة القديمة، وتشويهاً يريد أن يسيء إلي المؤسسة التي ائتمنها المصريون علي البلد.. فإن هؤلاء لا يحققون بذلك أهدافهم - التي لا خلاف علي حسن نواياها - بقدر ما يتيحون الفرصة لكل الخارجين علي القانون كي ينعموا بفوائد حرام ومكاسب مسروقة. لا يوجد حزب يوافق علي التعدي علي الأراضي.. لن تقبل حركة أن يسيطر السائقون علي حي المعادي.. لن يرضي تيار أن يتعدي شرطي علي مواطن.. لن يمرر النشطاء عمليات الاستيلاء علي المال العام التي تجري علي قدم وساق في مختلف أنحاء البلد.. للمفارقة في ذات الوقت الذي نحارب فيه فيالق الفساد وتحقق معهم السلطات المختصة. وإذا كان كل هؤلاء لا يقبلون كل ذلك.. فإن عليهم ألا يتيحوا الفرصة لانتصار البلطجية والمجرمين.. ساهموا في تنقية المناخ.. أتيحوا الفرصة كي يعبر البلد إلي ضفاف الاستقرار حيث يمكن أن يتم تفاوض عام بطريقة صحية.. لا تستنزفوا القوات المسلحة بالضغط والتشويه والمطالبات التي لم يحن وقتها.. لقد خلق الله الدنيا في ستة أيام وتمكنت (الثورة) من إسقاط نظام في 18 يوماً.. ولا يمكن إصلاح كل شيء في بضعة أسابيع. البناء يحتاج وقتاً وقليلاً من الصبر.. وإلا فإن الفائزين سيكونون فقط البلطجية وسنكون كمن استبدل بالفساد السابق فساداً لاحقاً.. تنعم فيه العصابات بمناخ الفوضي.
للمزيد زورا هذا الرابط روز اليوسف